القاهرة - د ب أ
المستثمرون يركزون على الوحدات العقارية الفاخرة في مصر
«لنحيا حياة الفخامة» هذا هو شعار مجموعة «داماك» العقارية الإماراتية العاملة في مصر، وهو شعار ربما يشكل مفارقة في ظل مستوى المعيشة المنخفض في البلاد، وحاجتها إلى بناء 40 ألف وحدة سكنية منخفضة التكاليف سنويا، وفقا لدليل العقارات العالمي.
لكن من المنظور الاقتصادي، يؤكد الخبراء أن رهان الشركات العقارية العربية على قطاع الإسكان الفاخر، بصورة رئيسية، والاتجاه تدريجيا نحو الإسكان المتوسط يبدو رابحا بصورة كبيرة.
وبصورة عامة، يهيمن الإسكان الفاخر على أولويات شركات العقارات العربية العاملة في مصر، فعلى سبيل المثال، تقول مجموعة «إعمار» الإماراتية على موقعها الرسمي على شبكة الإنترنت إن عملها ينصب على بناء المنازل الفاخرة، وهو ما يبدو من طبيعة مشروعاتها في مصر، مثل مشروع «أب تاون كايرو» الذي يمتد على أربعة ملايين متر مربع، تشرف على العاصمة القاهرة من ارتفاع نحو 200 متر فوق سطح البحر، وهو يضم ملاعب غولف، وقرى سكنية تشمل قصورا ومنازل ريفية وشققا فاخرة ومراكز تسوق وحمامات سباحة.
كما تملك «إعمار» مشروع «مراسي» الذي يمتد على 1544 فدانا بالساحل الشمالي لمصر على البحر المتوسط والذي يضم منتجعات مترفة، وقصورا، وأندية، بالإضافة لمشروع مدينة القاهرة الجديدة التي تمتد على 3.8 ملايين متر مربع، وتنقسم لعدة أحياء تضم قصورا مسورة، وبيوتا ريفية وعمارات شاهقة الارتفاع.
تقول «بروة القاهرة الجديدة»، وهي الوحدة المصرية لمجموعة بروة العقارية القطرية، إن مشروعها المقرر سيضم «العديد من القرى المميزة التي تتيح شتى الخيارات الخاصة بأساليب الحياة العصرية بداية من المنازل والفيلات المسورة والمنازل الريفية، وانتهاء بشقق الأبراج السكنية عالية الارتفاع»، بحسب ما جاء على الموقع الالكتروني للمجموعة الأم.
وربما يعزز هذا الانطباع ما ذكره المدير التنفيذي للمشروع القومي للإسكان جلال سيدالأهل، لـ «د ب أ» من أن مشروعه لا يضم إلا شركتين عربيتين فقط من أصل 143 شركة وهيئة ونقابة مدرجة في المشروع، بالرغم من أن الدولة تتيح الاراضي ضمن هذا المشروع بتكلفة أقل من تكلفة إدخال المرافق، ولا تشترط بيع الوحدات السكنية في النهاية بسعر محدد وتتركه للعرض والطلب».
إلا أن سيدالأهل يتوقع انضمام شركات عربية أخرى للمشروع بعدما انضم القطاع الخاص المصري لسوق إسكان «محدودي الدخل»، وهو ما يراه مدير المشروع القومي للإسكان «نجاحا في حد ذاته».
ويقول رئيس الاتحاد العربي للتنمية العقارية الذي يعمل في إطار مجلس الوحدة الاقتصادية وجامعة الدول العربية أحمد مطر، إن الاتحاد كان أصدر توصية لأعضائه بالاستثمار في الإسكان المتوسط، إلا أنه يعترف بأن تلك التوصية لم تثمر بعد.
وارجع مطر، في حديث مع «د ب أ» إصدار الاتحاد تلك التوصية إلى ما يصفه بـ «العجز التراكمي» في عدد الوحدات السكنية في المنطقة العربية، والذي وصل إلى أربعة ملايين وحدة، «إذ يحتاج العالم العربي سنويا لمليوني وحدة سكنية جديدة».
يستبعد مطر رغم ذلك احتمال «تشبع» السوق المصرية بالعقارات الفاخرة في ظل ما يقول إنها «ثقافة الادخار في العقارات التي مازالت راسخة «.
وأوضح مطر «تولي الحكومة المصرية اهتماما خاصا بالاستثمار العقاري العربي، ويظهر ذلك في تشكيل وزير التجارة والصناعة رشيد محمد رشيد المجلس التصديري للعقارات الذي يستهدف جذب الاستثمارات الأجنبية، وخاصة العربية لقطاع العقارات، و أيضا في التعليمات التي أصدرها وزير العدل ممدوح مرعي بتسهيل تسجيل العقارات للعرب... ومع ذلك يصعب الوصول لعدد الشركات العقارية العاملة في مصر، وحجم استثماراتها وحصتها من السوق، إذ لا يضم تلك الشركات اتحاد واحد، بعكس الشركات المصرية التي تضمها شعبة العقارات في اتحاد الغرف التجارية».
وارجع خبير أسواق المال والمحلل المالي في شركة «الجذور» لتداول الأوراق المالية مصطفى بدرة، تشبث شركات العقارات العربية بسوق العقارات الفاخرة في مصر رغم الفجوة بين العرض والطلب في سوق العقارات المتوسط والاقتصادي «إلى اعتماد تلك الشركات في جانب من مبيعاتها على المشترين من البلدان الخليجية نفسها وهم من ذوي القدرات الشرائية الكبيرة... فتلك الشركات متميزة في نمط الدعاية الذي يجذب مثل هذا الجمهور... ومازال هذا النوع من الإسكان هو عصب عملها في مصر، لدرجة أن بعض تلك الشركات تجري مقابلات شخصية مع المشترين قبل البيع للتأكد من انتماءاتهم الطبقية».
ونفى بدرة في تصريحات للألمانية، أن يكون سوق العقارات الفاخرة في مصر قد تعرض لهزة في الثقة أدت لتراجع مبيعاته بعد أزمة مشروع مدينتي، حيث قال «إن تلك الأزمة أثرت وقتذاك على مبيعات مشروع مدينتي وحده ولم يمتد تأثيرها للسوق الفاخرة بأسرها، والذي مازال يدر أرباحا كبيرة».
كانت محكمة القضاء الإداري في مصر قضت، في حكم أيدته المحكمة الإدارية العليا في سبتمبر/ أيلول العام الماضي، ببطلان عقد بيع هيئة المجتمعات العمرانية التابعة لوزارة الإسكان المصرية ثمانية آلاف فدان لمجموعة طلعت مصطفى بالأمر المباشر، دون مزاد عام، وهي الأرض التي أقامت عليها المجموعة مشروع «مدينتي» الفاخر قبل صدور حكم البطلان.
وفي وقت لاحق، شكل الرئيس المصري حسني مبارك لجنه قانونية لتسوية الوضع القانوني للمشروع إثر الضجة التي سببها الحكم. كما أعلنت الحكومة تعديل قانون المناقصات والمزايدات، وقانون التعامل مع أراضي الدولة لضمان استقرار الأوضاع المثيلة مستقبلا.
وأعرب رئيس هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة مصطفى مدبولي، للوكالة الالمانية عن اعتقاده أن القانونين الجديدين سيعيدان الثقة لسوق العقارات الفاخرة وسينهيان أي تردد «ربما قد يكون طرأ على أداء المستثمرين بعد صدور الحكم القضائي».
وتعزز التوقعات المتفائلة لأداء سوق العقارات المصري تقرير كانت «داماك» اصدرته في ديسمبر/ كانون الأول الماضي توقعت فيه أن يشهد قطاع العقارات في مصر والمملكة العربية السعودية ولبنان نموا يتجاوز عشرة في المئه في العام 2011.
وقالت «داماك» إن الظرف موات للمزيد من الاستثمارات العقارية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. من ناحيته، قال المدير المالي والإداري للوحدة المصرية لمجموعة «سيفورا» السعودية سيدالعشري إن شركته بدأت منذ نحو سنتين التوجه تدريجيا للاستثمار في العقارات المتوسطة بخلاف العقارات الفاخرة «بعدما انكمش الطلب على الأخيرة جراء الأزمة الاقتصادية التي قلصت القدرة الشرائية للشرائح التي تقبل على شراء العقارات الفاخرة... فمثلا اتجهنا من قبل لبناء شقق على أراض كنا نعتزم بناء فيلات عليها... كما أن مشروع سيفورا هايتس يضم وحدات سكنية لا تزيد مساحتها عن 140 مترا».
وأضاف «لا تشكل سيفورا استثناء... إذ بدأت بالفعل شركات عربية أخرى تتجه لسوق الاسكان المتوسط»، وهو التوجه الذي يتفق على ما يبدو مع توجه الشركة «المصرية الكويتية للتنمية والاستثمار» التي يقول رئيس مجلس إدارتها فاروق التلاوي إن مشروعها في أرض العياط، جنوب مدينة القاهرة، يضم، بخلاف المساكن الفاخرة التي تشكل نحو 30 في المئة من عدد الوحدات السكنية، مساكن أخرى لـ «محدودي الدخل».
على جانب آخر، تقول رئيسة المركز المصري لحقوق السكن، وهي منظمة أهلية تختص بالدفاع عن الحق في السكن للفئات المحرومة منال الطيبي: «إن دخول الشركات العربية لسوق العقارات في مصر لم يسهم في حل أزمة السكن في مصر لأنها شركات يعتمد عملها في معظمه على العقارات الفاخرة».
تشير بيانات وزارة التنمية الاقتصادية في مصر إلى استثمار القطاع الخاص نحو 29 مليار جنيه في الأنشطة العقارية خلال العام المالي الماضي، في حين لم تتجاوز الاستثمارات العامة 1.3 مليار جنيه في العام نفسه.
صحيفة الوسط البحرينية